لا تزال المقولة الشهيرة للشاعر الإنجليزي روديارد كبلنغ، والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1907، الشرق شرق والغرب غرب.. ولن يلتقيا، تحمل مصداقية كبيرة في معناهـا الفلسفي بسبب التباين العلمي والثقافي والاجتماعي والسياسي بين العالمين الشرقي والغربي إلا أن الهـجرات المتتالية والتطورات التكنولوجية الحاصلة الآن خلطت الأمور وبدت المقولة ” العالم أصبح قرية صغيرة ” هى السائدة.
نحن أهـل القبلة نؤمن بأن الله يدبر الأمر كله يقول الله سبحانه وتعالى : وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقر:115).
ثم خرج علينا كاتب آخر بمقولة:
“نهاية التاريخ والإنسان الأخير” التي تحمل في طياتهـا الكثير من المغالطات التاريخية وتتناقض مع سنن الحياة التي مرت على البشربة من الصعود الحضاري والإنحطاط الأخلاقي ثم الهبوط والإندثار، مع ما كانوا وصلوا إليه من التقدم العلمي والأدبي والتكنولوجي .
وكل هـؤلاء تناسو أن التقدم العلمي وإمتلاك القوة الغاشمة وحدها لا تكفي لكي تتربع على عرش الحضارة والتمكين بل لابد أن تصاحبهـا أخلاق وقيم تحميهـا كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
‘وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا“. ولم نرى احدا قط يريد إحياء أي حضارة إندثرت وإجتثت من فوق الأرض إلا الحضارة الإسلامية التي تتوق الأجيال المتعاقبة لتجديدهـا لأن لهـا جذور ثابتة في الأرض وفروعهـا في السماء
وبعد مكوثــنا أكثر من ربع قرن في بلاد الغرب أنا وغيري من المهـاجرين، تأثرنا بالثقافات الغربية بالإضافة الى ثقافتنا الشرقية ونحس بهـذه الفروقات عندما نسافر إلى بلادنا ونرى بعض التصرفات من موظفي الإدارات الحكومية والمعاملات العفوية بين الأفراد التي كنا نراهـا طبيعية في السابق، ربما أصبحت لا تنسجم مع شخصيتنا الجديدة، بالمقابل قد لا تعجب بعض تصرفاتنا وشخصيتنا الجديدة للأهـل والأصدقاء.
ولذلك عندما نكون في مجالس التجمعات مع الأهـل والأصدقاء في زياراتنا إلى بلاد الشرق لابد ان نكون محايدين ومنصفين وننقل لهـم أفضل ما في الغرب من الإلتزام في العمل ودقة المواعيد وحقوق الإنسان وأشياء أخرى عديدة وهـذا لا يعنى أن الغرب كله خير ولكن لا فائدة من نقل السلبيات وكما أن في بلادنا الكثير من الإيجابيات مثل الإلتزام الديني والترابط الأسري، وعليه أوصي إخواني المهـاجرين أن يكونوا منصفين في نقلهـم الأخبار والأحداث عن الغرب وعدم المبالغة في إظهـار الغرب كأنه جنة الله في أرضه.
أنـــنا رغم مكوثنا هـذه المدة الطويلة في بلاد الغرب إلا أننا نعيش حالة “صدام الحضارات” في بيوتنا لعدم إنسجامنا مع تصرفات الجيل الجديد من أولادنا الذين تربوا وترعرعوا في هـذه الديار واصبحوا جزءا من حضارة الغرب والتعامل معهـم يتطلب منا الكثير من الحكمة والصبر ومسؤلياتنا التربوية تتضاعف.
ونجد دائما ضالتنا في ديننا الحنيف الذي يخاطب العقول والضمائر الحية، رغم وجود حالة عداء وإستهـداف ممنهـج من الذين لا يريدون أن ترى نور الحقيقة الساطع إلا انه هـو الطريق الوحيد الذي أصلح الأمم وضبط الأخلاق. ليحق الحق ويزهـق الباطل إن الباطلة كان زهـوقا.
“وقد قيل قديما البقاء للأصلح “ونقول: الإسلام هـو الأصلح والأقوى، قد تعتريه بعض فترات التراجع أو الإنكسار ولكن يبقى هـو الحل.
ابو عبد الرحمن
( عمر الشبخ إدريس)