المغامرة
وفي احدي الأمسيات القاهـرية، أالجميلة أخبره أحد الأصدقاء أنهـم يفكرون في الهـجرة إلى أوروبا عبر الصحراء الكبرى وقد وصلت الدفعة التي سبقتهـم إلى هـناك، ووصفوا لهـم الطريق، وقللوا لهـم المخاطر … واستحسن إبراهيم الفكرة إلا أنه أحس بالخوف والرعب من العودة إلى السودان عبر محاذات النيل كما فعلوا من قبل، إلا أن وجود الشيخ صالح المرشد بين الدفعة شجعه على إتخاذ القرار، وتحرك الركب قاصدين السودان ولم تواجههم عقبات كثيرة كما في المرة السابقة.
وقابلوا مجموعة من المهـربيين في غرفة مظلمة على أطراف مدينة الخرطوم، وتم الإتفاق على المبلغ على أن يدفعوا الدفعة الأولى قبل بدء الرحلة وضمنهـم الشيخ صالح الذي لم يكن ضمن المهـاجرين إلى اوروبا بل جاء ليمارس هـوايته في جلب طلبة العلم إلى الأزهـر الشريف على أن تدفع الدفعة الثانية بمجرد وصولهـم إلى ليبيا ويتم تحويلهـا إلى شبكة عصابات التهـريب الأخرى المتخصصة غلى اوروبا، وكان إبراهيم يتابع المفاوضات وطرق التهـريب ويتوجس من المهـربين وحدَّتهـم في الكلام، وقسوتهـم احيانا إذا شعروا بإنكشاف أمرهـم أو يكونوا مرتبطين بالمجرمين الآخرين الذين يسرقون الأعضاء من الشباب … ولكن دائما كان بداخله تبرير والرغبة لخوض التجربة. وتحددت ساعة الصفر لتحرك الركب إلى جهـة الصحراء الكبرى وكانوا عبارة عن أسطول من عربات التيوتا يقودهـا سواقون ملثمون تتقدمهـم سيارة سوداء رباعية الدفع وغاضوا بهـم في رمال الصحراء، كانوا معهـم في الرحلة، النساء والاطفال والرجال من كل الاعمار والهـدف واحد هـو الوصول إلى شواطي أوروبا وكل له ظروفه وأحلامه الخاصة للجوء.
تتضائل قوة الإنسان أمام إتساع رقعة الصحراء، كلما إقتربت من نهـايته إبتعد عنك الطريق ولا ترى فيهـا الحياة وتختفي من أعينك الإتجاهـات ويختلط عليك الأمر مع ضبابية التفكير وتسلم أمرك ومصيرك كله للذين يسوقونك وهـم قليلي الحديث ولا ترى من وجوهـهم المغطاء إلا فتحات العيون ولهـا أغراض متعددة مثل الحماية من أتربة الصحراء أو الإختباء خلفهـا من أي جهـة رسمية قد تطاردهـم، كانوا متقلبي المزاج، تسمع أحدهم يتبادل معاك أطراف الحديث بهـدوء ثم ينقلب الى الوحش الكاسر، يصرخ ويهـدد دون أدنى سبب.
رحلة الصحراء كانت شاقة إلى أبعد الحدود بدرجة حرارتهـا التي لا تطاق والرياح الرملية التي لا تهـدأ والسكون القاتل والمنظر المخيف جدًا، الأرض القاحلة الجرداء، تنبعث منهـا الحرارة، الكثبان الرملية ترتفع من سطح الصحراء على شكل قبب المساجد، ومع وقت الغروب يشاهـد منظر بديع؛ ترى الشمس وهى تغادر السماء مزهورتا بلونهـا الأحمر كأنهـا تسقط في الأفق،…
واستمرت الرحلة حتى وصل الركب إلى منطقة مقطوعة فيهـا حظيرة كبيرة ليضافوا إلى تجمع من الناس سبقوهم إلى الحظيرة فيهـم النساء والأطفال والشباب يرقدون على الأرض كأنهـم صرعى، وعلى الباب حراس أشداء، الهَـمْ هـو الغالب على تفكير الجميع، يقطعه بكاء الأطفال من وقت لآخر، يخيل إليك أنهم سبايا الحروب في العصور الغابرة أو يذكرك بحال أهـلنا في زمن الستينيات من القرن الماضي عندما كانوا يلجؤون إلى الكهـوف أو يتكدسون في المدن بعد أن أحرقت حقولهـم وقراهـم.
أختير إبراهـم ضمن الدفعة التي ستغادر في اليوم التالي فجرًا، وتم وضعه مع مجموعة من النساء والأطفال وبعض الشباب في حافلات صغيرة وبعد رحلة قصيرة، وصلوا إلى شاطئ مهـجور كانت تنتظرهـم عنده سفينة، هـنا وقف إبراهيم ونظر إلى الخلف ثم إلى البحر وتذكر الدرس الذي أخذه على يد أستاذ التاريخ الإسلامي، مقولة طارق بن ذياد وهـو يحاطب جنوده قائلا في خطبته الشهيرة “أيها الناس، أين المفرُّ؟! والبحر من ورائكم والعدوُّ أمامكم، فليس لكم والله! إلاَّ الصدق والصبر” وللأسف الوضع كان مقلوب وهـم يبحثون عن الأمان والعزة والكرامة من وراء البحر وكان خلفهـم البر بما يحمله من الخوف والرعب والأضطهاد والجوع والعطش.
والى الحلقة القادمة إن شاء الله
عمر الشيخ إدريس