تدخل الشيخ صالح بخبرته على الإنقاذ في أوقات الخطر وحمل الكثير من الناس إلى شاطئ النهـر مراراً وتكراراً, ولم يتوقف لسانه طوال الوقت عن قراءة القرآن والذكر والتضرع إلى الله بالدعاء.
وتحمس الولد الصغير وبقية المجموعة وساروا على نهـجه يحملون الضعفاء ويوصلونهـم إلى شاطئ النهـر ثم يعودون مرة أخرى إلى مكان الحادث لينقذوا الآخرين، وللأسف عندما كانوا يعودون إلى شاطئ النهـر كانوا يجدون بعض من تم إنقاذهـم من الغرق ماتوا بلدغات العقارب أو إلتهـمتهـم التماسيح، منظر مخيف وبشع جداً….هـنا تجد أيادي مبتورة وهـناك أرجل مفصولة عن الجسد، وتسمع أنين وآهات المشرفين على الموت… كما ترى من يستغيثون بك من داخل فكوك التماسيح….
استمروا في الإنقاذ والإسعاف حتى جنّ الليل وعم الهـدوء بعد البكاء والعويل، وبدأ الكل في حصر الخسائر في الأرواح والممتلكات، وكانت هـناك طالبة سودانية ترمي الولد الصغير بنظرات الإعجاب والإمتنان لما بذله من جهـد لإنقاذهـا وصديقاتهـا من الغرق المحقق، ومع طلوع فجر اليوم التالي بدأت تتوافد على المنطقة طواقم الإسعاف ونجدة الإنقاذ النهـري وبدؤو فورا في حصر المتوفين، وأشاد الناجون ببسالة الشيخ صالح ورفاقه خاصة إبراهيم الصغير في إنقاذ الكثير من الأرواح نتيجة إجادتهـم السباحة وإمتلاكهم القوة والعزيمة.
قبل بدأ التحقيق والتحري عما حدث واصل الشيخ صالح ومجموعته سيرهم إلى الجهـة التي قصدوهـا منذ البداية سيرًا على الأقدام بمحاذاة النهـر يلتوون بإلتوائه حذرين من التماسيح التي ربما تكون مخفية في المستنقعات أو العقارب المندسة بين الصخور، والثعابين المتربصة تحت الرمال، وكان أهـل القرى الذين يمرون عليهـم يكرمونهـم والشيخ صالح يلف لهـم الأحراز من الآيات القرانية الكريمة مثل التي كانت مربوطة في أعلى سواعدهم أو يكتب لهـم الآيات القرآنية على الألواح ثم تغسل في الصحون للشرب، وهى من عادات أهلنا الموروثة إعتقاداً منهـم أنهـا تعالجهـم من الأمراض أو تحميهـم من الشرور.
وبعد عناء السفر الطويل، وصلوا إلى مدينة أسوان في جنوب مصر عند منتصف الليل، وتوقفوا على باب أحد الفنادق حيث لمحهـم أحد الإخوة السودانين الكرماء الذي تكفل بمبيتهـم في الفندق , بل وتكفل أيضا بمصاريف تذاكر القطار إلى القاهـرة حيث وصلوا إلى محطة ميدان باب الحديد وقت الظهـيرة، وكاد يُغمى على الولد الصغير أول مرة عندما شاهـد العدد الهائل من الناس وموجات بشرية تسير في كل الإتجاهـات والضوضاء التي تصم الآذان، والمركبات المتحركة, وكان الشيخ صالح هـو الذي يخفف من روعه وهلعه دائما بكلمات التشجيع والشرح الوافي لما يدور حولهم.
وعاش الولد الصغير في قاهـرة المعز زهاء ثلاثة أعوام أجاد خلالها اللغة العربية والعلوم الدينية في أحد معاهد الأزهر الشريف حتى أصبح الأول على دفعته في المعهد ويشار إليه بالبنان بذكائه الحاد وقدراته الخارقة على الحفظ، وتنبأ له أحد اساتذته أنه سيكون الأول على دفعته في الجامعة وسينال الشهـادة العليا بإمتياز.
والى الحلقة القادمة إن شاء الله
أبو عبد الرحْمن
Mashalah gaab noh isho