كانت شمس الضحى تبدد ما تبقى من آثار الظلام الليل وترسل اشعتهـا الذهـبية على صفوح الجبال والأرض تزينت بالخضرة والزهـور المختلفة الألوان وانتهت الطيور للتو من تسابيح الصباح، وتوقفت الديوك عن الصياح – وبدأ الدخان يتصاعد من أسطح المنازل، ورائحة الطعام تملأ الأرجاء، إيذانا ببدأ يوم جديد.
جرى إبراهـيم الصغير الى ساحت القرية مبكرًا كما كان يفعل ذلك كل يوم ليكون في إنتظار وصول االأقران، ليمارسوا طقوس اللعب واللهـو، خاصتا رياضتي الجرى في الميادين او السباحة في البحيرات القريبة من القرية.
أحاط به مجموعة من الجنود الذين بدؤوا يسألونه عن إسمه والإستفسار إن كان هـناك اولاد آخرون غيره في القرية؟ قبل ان يرد على السؤال كان قلب الأم يخفق على بعد – بالخوف والأحاسيس الغريبة، وخرجت مسرعتا من الدار لتستطلع الأمر ورأت إبنهـا محاط بأناس غرباء . وفي البادئ الأمر ظنت انهـم عابري السبيل يسألونه لمعرفة الإتجاه او الطريق ولكن اسلوب إحاطتهـم المريبة بإبنهـا لم يعجبهـا، جرت اليهـم دون تردد ولا خوف – وسألتهـم: عما كانوا يريدون ؟ اجابهـا اوسطهـم: “انه سيذهـب معنا الى معسكر التدريب”، قالت : انه صغير، و…. قبل ان تكمل الجملة قاطعهـا احدهـم قائلا: ” كل شئ يهـون في سبيل الوطن”.
واجبروا الولد الصغير على الذهـاب معهـم قسرًا ولم يراعوا فيه طلبات أمه الباكية ولا حرارة الدموع المسكوبة على خديهـا – وسيق إبراهـيم وهـو جاهـشا بالبكاء الى معسكر التدريب تطاردهـم نظرات الأم وخفقات قلبهـا الحنون الذي لم يطمئن لمصير إبنهـا الصغير، ولم تتوقف يومًا من الدعاء له ولا من ترديد أغاني الحب والشوق التي الفتهـا بأرق العبارات وأندى الكلمات
ولم يمكث في معسكر التدريب الا مدة وجيزة لإجادته دقة التصويب ومهـارة الرمي في وقت قياسي، وبأن القتال كان إشتعل في عدة جبهـات، قد تم ضمه الى فصيل الذي كان يراقب المعسكر الرئيسي للعدو، واخذ مكانه على تلة مرتفعة تحت ساتر ترابي تحيط بها الصخور، والرمال وقليل من الأشجار، والثوار أصابعهـم كانت على الزناد ليلا ونهـارا تحسبا لأي طارئ، وكان هـناك جمود في القتال في تلك الجبهة فقط، والإنتظار كان سيد الموقف، والكل كان في ترقب للحظة إنطلاق الرصاصة الأولى – وتمر الأيام والليالي بطيئة وهـم مرابطون على الجبهـة، ومن وقت لآخر تصلهـم المأن والإمدادات- يوزع عليهـم الخبز الناشف او شربة العدس، وغالبا لا طعام ولا ماء ولا نوم لعدة أيام، إنهـا حياة الثوار المليئة بالتحديات .
والى حلقة قادمة إن شاء الله
أبو عبد الرحمن
Excellent story looking forward to read next episode